فى مثل هذه المناسبة الوطنية الشديدة الخصوصية والتأثير أتصور أن المسئولية الوطنية تقتضى الإطلال على السادة القراء، خاصة من نافذة بقيمة صفحة «الرأى» بصحيفتنا القومية الموقرة «الأهرام».
لا أميل إلى تذكير المواطنين بما كان قبل هذا اليوم الفارق من تاريخنا المعاصر، لأننى ببساطة ممن يثقون فى فطنة شعبنا، وقدرته على الفرز والتمييز، فالمصريون فى 30 يونيو هم من سطروا بأرواحهم ملحمة وطنية فى نضالهم للحفاظ على هويتهم ونسيجهم الوطنى، وإنقاذ الدولة من السقوط فى هاوية كانت أبرز معالمها انعدام الأمن، وتهاوى المؤسسات الوطنية وانهيار الاقتصاد وفرار الاستثمارات.
لكن أول ما يستوجب الإشارة إليه بطبيعة الحال هو الدور العظيم الذى قام به جيش مصر وقيادته فى حماية ثورة الشعب، فقد انحاز جيشنا العظيم لإرادة المصريين فى مهمة إنقاذ استثنائية للدولة المصرية ومقدراتها، ولشرعية الإرادة الشعبية. وحينها كان فى صدارة المشهد متحملا المسئولية الفريق أول عبد الفتاح السيسى قائدا وطنيا يتحلى بكل صفات الجندية، قائدا أمينا، وصاحب رؤية مدركا حجم وطبيعة مسئوليته تجاه شعبه ووطنه، وما شعرنا به من إعجاب تجاهه تأكد بعد ذلك من خلال قيادته الواعية فى ظل تحديات جسام واجهتها البلاد.
وكان الرهان على نجاح الثورة أمرا لا بديل له لدى المصريين وإلا انزلقت الدولة إلى هاوية سحيقة كان سيصعب معها استعادتها، وذلك على غرار ما شهدناه فى دول عربية شقيقة نكن لها كل محبة وتقدير ونتمنى لشعوبها السلامة والأمان.وتمكن الشعب يسانده جيشه من التغلب على أحد أخطر التحديات الذى واجه البلاد فى مرحلة ما بعد 30 يونيو وهو استعادة الأمن والأمان، و تلك هى القاعدة الأساسية للنهوض بالدول ، فالاستثمارات لن تتدفق فى ظل أوضاع الفوضى والاضطراب، والاقتصاد لن تدور عجلته وتفتح أبواب الرزق دون البدء على الفور فى استعادة الأمن.
وعلى صعيد لا يقل أهمية كان لابد من المسارعة بتصحيح ما كانت تروجه الآلة الدعائية الضخمة للإعلام المعادى من خلط للحقائق وتزييفها، ومحاولاتهم اليائسة لتصوير ثورة الشعب على غير حقيقتها، وكان لابد من التحرك خارجيا بأقصى سرعة، وهنا تأخذنى الذاكرة إلى ديسمبر عام 2013 وزيارة الأيام الأربعة إلى نيويورك، حيث اللقاء مع بان كى مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ورافقنى أصدقاء من رؤساء برلمانات دول عدة لتوضيح الحقائق ولاحت بوادر نجاح تصحيح الصورة باعتراف صريح من الأمم المتحدة فى بيان رسمى بأن 30 يونيو ثورة تعبر عن إرادة الشعب المصري.
مهمة الإنقاذ التى بدأتها ثورة الثلاثين من يونيو قبل عقد من الزمان لا تزال متواصلة حتى الآن، وفى تقديرى أن فصلها الأهم حاليا هو امتداد ثورتنا العظيمة إلى العقل المصرى، خاصة فى جانبه الإدارى، وهو جانب ربما يكون بحاجة إلى بعض الوقت، لكونه يرتبط بتطوير الثقافة وأسلوب التفكير. وقد أدركت القيادة السياسية هذا بالفعل، وهو ما انعكس فى مفاهيم جديدة دخلت قاموسنا التنموى كاقتحام المشكلات، وعدم إرجاء الحلول، وإنجاز المشروعات قبل الإعلان عنها، لكن الأمانة تقتضى هنا الإقرار بأننا بحاجة لمزيد من الجهد على طريق تسهيل الإجراءات لبلوغ الثلاثية الذهبية «الاستثمار والتصدير والإنتاج»، فليس كافيًا أن يتمتع المسئول الكبير بهذا الفكر، بينما صغار الموظفين يفتقدون الفهم لأهمية الوقت والسلاسة فى إتمام الإجراءات. فى مصر الآن عقلية استثنائية وصلت بالبلاد لأن تكون صاحبة ثانى أكبر معدل نمو اقتصادى فى العالم عام 2020 رغم مفردات أزمة جائحة كورونا حينها، وجعلت مفهوم التنمية ممتدًا من العلمين شمالًا إلى أسوان جنوبًا وفى القلب سيناء، ووضعت نفسها فى سباق مع الزمن لتحقيق الأهداف بمعدلات تفوق المعتاد.
فى مصر الآن الأولوية لمنظومة واضحة من القيم أساسها المواطنة وعدم التمييز واحترام الآخر وفتح المجال للحوار البناء وتمكين الشباب والمرأة وذوى القدرات الخاصة.
دولة تضع الإنسان هدفًا لكل خطواتها فى إطار واضح المعالم من تكريس الإمكانات للنهوض بالنواحى الصحية والتعليمية ومستوى المعيشة، فكانت سلسلة مبادرات ضخمة من قبيل «100 مليون صحة»، و«حياة كريمة» وغيرهما من المبادرات.
على مسارين تعمل الدولة، الأول تطوير البنيان، والثانى تطوير العقول والوجدان، والهدف الأصيل هو خير مصر الوطن والإنسان، أما الآلية فهى هذه العقلية المتحررة من روتين الداخل وإملاءات الآخرين، عقلية لا ترى للمستحيل مكانًا مادام المستهدف هو خير الوطن، ولو تطلب الأمر بعضًا من المعاناة، فالهدف النهائى يستحق وهو وطن له بين الكبار مكان ومكانة.