أبو العينين خلال كلمته في مؤتمر برلمان البحر المتوسط بالشراكة مع الأمم المتحدة:
أكد النائب محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب المصري، والرئيس الشرفي لبرلمان البحر المتوسط، أن الجريمة المنظمة تهديدًا خطيراً للأمن والتنمية، والعدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون والبيئة، والصحة العامة في العالم، وفي هذا الصدد، فإن الجهود المبذولة للتغلب عليها،لا ينبغي أن تركز على آثارها فقط، بل على اقتلاع جذورها لتعزيز الأمن والتنمية المستدامة.
وقال أبو العينين – خلال كلمته في مؤتمر برلمان البحر المتوسط، بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، والمقام في إيطاليا حول اتفاقية باليرمو “مستقبل مكافحة الجريمة المنظمة” – إننا نحن كبرلمانيين علينا مسئولية من خلال التشريع والرقابة فى تجفيف الظروف التي تؤدى لانتشار الجريمة المنظمة، فهذه الجريمة تتغذى على عدم الاستقرار والنزاعات وضعف الدولة وعجزها عن القيام بوظائفها الأساسية الأمنية والتنموية.
وأضاف أن أحداث الربيع العربي فتحت الباب أمام إسقاط مفهوم الدولة وإضعاف مؤسساتها في بعض دول الشرق الأوسط، فانتشرت عصابات الجريمة المنظمة وازدهرت جماعات الإرهاب، وأدى ما آل إليه الوضع في بعض الدول العربية نتيجة أحداث الربيع العربي إلى أن يتساءل الكثيرون : هل كان الربيع العربي من أجل التغيير أم التدمير؟.
وتابع أبو العينين: “لم يكن الحال بأفضل في بعض الدول الأفريقية والأسيوية، حيث خلق ضعف الدولة وهشاشتها وعجزها عن مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، بيئة خصبة لنمو وانتشار الجريمة المنظمة، فعندما تغيب الدولة تحضر هذه العصابات، وعندما تُدمر النزاعات الاقتصادات الرسمية يزدهر الاقتصاد الأسود ويزداد الفقر والبطالة والاتجار في البشر والمخدرات والأسلحة والآثار.
وأكد أبو العينين أن جائحة كورونا والتغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي والاستخدام الواسع للإنترنت في الأغراض الإجرامية، كل هذا جاء ليخلق أنشطة جديدة لعصابات الجريمة المنظمة، فمن الواضح أن الجريمة المنظمة في انتشار وليس انحسار، والأرقـــام تقـــول ذلـــك، فهنــــاك مليار قطعة سلاح صغير متداولة في السوق السوداء العالمية، ونحو 281 مليون مهاجر دولي على مستوى العالم،بسبب عدم الاستقرار والصراع وعدم المساواة وتغير المناخ.
وأضاف أن الأمثلة عديدة على الارتباط بين ضعف الدولة وانتشــــار الجريمـــة المنظمـــة: مثلا كيف كانت ليبيا قبل عام 2011 وكيف أصبحت المركز الرئيسي لانطلاق الهجرات غير الشرعية إلى أوروبا؟، كيف كانت سوريا والعراق وكيف أصبحت، عندما اجتاح الإرهاب مساحات واسعة من أراضيهما وحاول إنشاء دولة له فيها، وكيف أجبر نصف الشعب السوري على النزوح والهجرة إلى دول الجوار والاتحاد الأوروبي وأصبح عرضة لعصابات الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر.
وتساءل أبو العينين: كيف تعرضت فتيات في العراق للرق والبيع كسلعة، وكيف حُطمت الآثار ونهبت المتاحف وتم الاتجار بمحتوياتها في السوق السوداء لتمويل النشاط الإرهابي. قبل أن تنجح جيوش الدولتين في الانتصار على الإرهاب واستعادة السيادة على اراضيها.
وتابع وكيل مجلس النواب: “كيف كان الوضع في مصر قبل ثورة 30 يونيو 2013 عندما تم تدمير متاحف، وحرق المجمع العلمي الذي يضم 200 ألف كتاب ومخطوطة نادرة. وتم تفجير سيارة مفخخة أمام متحف الفن الإسلامي. وظهرت دعوات من الجماعات الإرهابية لهدم الأهرام وأبو الهول بدعوى أنها أصنام ؟”.
وقال أبو العينين إن التصدي الفعال للجريمة المنظمة ومنعها، يرتبط بإنهاء الصراعات واحترام سيادة الدول والحفاظ على كيانها ووحدتها ودعم مؤسساتها، ولنا فيما أنجزته مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 في ظل قيادة الرئيس السيسي نموذج يحتذى به، حيث سابق الرئيس السيسي الزمن لإنقاذ الدولة من الانهيار وتقوية مؤسساتها، ومن خلال جهود الدولة على المستوى الأمني والتنموي والفكري استطاعت مصر بقدراتها الذاتية، أن تهزم الإرهاب وتجفف منابعه، وأن تتصدى للهجرة غير الشرعية. ومنذ سبتمبر 2016 لم يخرج قارب واحد للهجرة غير الشرعية من السواحل المصرية، وصدرت حزمة قوانين تتصدى لتهريب المهاجرين والاتجار في البشر وتكافح الإرهاب وتجفف منابع تمويله، وتتصدى لاستخدام الإنترنت في الأغراض الإجرامية، وتم تحديث قوانين مكافحة غسيل الأموال وتشديد العقوبات على الاتجار بالآثــار.
وأضاف أنه خلال الـ 7 سنوات الأخيرة تصدت الدولة بحزم لعمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار وتهريبها بل ونجحت في استرداد 29 ألف قطعة أثرية خرجت بطريقة غير شرعية إلى الخارج، وحظر دستور 2014 إهداء الآثار أو مبادلة أي شيء منها، واعتبر الاعتداء عليها والإتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم.
وشدد أبو العينين على أن الآثار كانت وستظل مصدرًا للتاريخ والهوية والفخر الشعب المصري، وتولي الدولة أكبر الاهتمام بالحفاظ على الآثار، من خلال إنشاء أكبر وأحدث المتاحف في العالم وفى مقدمتها المتحف المصري الكبير أكبر متحف في العالم.
وقال أبو العينين إن مصر صدقت على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار في الممتلكات الثقافية وفى مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
وتابَع أن مشكلة الاتجار في الأثار لها أهمية خاصة لمصر كدولة بها نحو ثلث أثار العالم. حيث يوجد حوالي مليون قطعة أثرية مصرية نادرة موجودة بالخارج يتم عرضها الآن في أكبر المتاحف العالمية أو بيعها في المزادات وعبر الانترنت خرجت من مصر على مدى مائتي عام بطرق مشروعة وغير مشروعة، لكن الدولة حريصة على استعادة كل قطعة خرجت بطريقة غير مشروعة.
وأشار ابو العينين أن مصر ســوف تنظــم فـــي القاهــرة فــي سبتمبـر القـــادم مؤتمر القاهرة الدولي لحماية التراث الثقافيً بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة ومنظمة اليونسكو، وذلك تأكيداً على الدور المصري الكبير والعمل الدؤوب في مجال حماية الممتلكات الثقافية ومكافحة عمليات الاتجار غير المشروع فيها.
في ختام كلمته أكد أبو العينين على بعض التوصيات الهامة التي طرحها أمام المؤتمر وأعضاء برلمان البحر المتوسط والأمم المتحدة.. وأهمها:
أولا: أنه بعد 22 عاما من اعتمادها، تظل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة صكًا حديثًا ومرنًا صالح لتحقيق الغرض، ويجب أن نستفيد منه بشكل كامل للتصدي بفعالية لأشكال الجريمة الجديدة والناشئة بما فيها الجريمة البيئية والاتجار في المنتجات الطبية المغشوشة والاتجار بالممتلكات الثقافية والجرائم الإلكترونية، ومن المهم توافر الإرادة السياسية للتنفيذ الآمين لأحكامها، والتزام الدول المتقدمة بتقديم المساعدة التقنية للدول النامية لبناء قدراتها على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
ثانيا: قد أصبح من الواضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن إغلاق الحدود وبناء الأسوار أو صد المهاجرين واللاجئين لا يمنع تدفقات الهجرة أو شبكات التهريب، وبدلاً من ذلك، يجب أن نركز على معالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى الهجرة في الدول المصدرة، وعلى سبيل المثال الدول الأفريقية ودول جنوب المتوسط مجتمعات شابة يشكل الشباب 60% من سكانها إذا لم نساعد في خلق فرص العمل والأمل لهؤلاء الشباب فسيقعون فريسة سهلة في يد جماعات الإرهاب وعصابات الهجرة غير الشرعية.
وأضاف: بالتالي السؤال هو: كيف يدعم الاتحاد الأوروبي هذه الجهود وكيف نشجع انتقال الاستثمارات الأوروبية إلى دول جنوب المتوسط وافريقيا لخلق فرص عمل للشباب؟ إن ذلك لن يكون منحة بل مصلحة ومكسب للجميع، ومصر مؤهلة لاستقطاب استثمارات أوروبية تعتمد على مدخلات إنتاج أفريقية من أجل توطين الصناعات وسلاسل الإمداد الأوروبية في جنوب المتوسط.
وقال أبو العينين: “لقد بدأ مسار برشلونة منذ 1995 بهدف خلق منطقة مشتركة للسلام والاستقرار والرخاء، هل خلال هذه الفترة قلت الفجوة في الدخول بين الشمال والجنوب أم زادت؟ وما نصيب دول جنوب المتوسط من الاستثمارات الأوروبية في الخارج؟ لـــم يتجـــاوز 2% !، وهل ساهم الاتحاد الأوربي في تحول أفريقيا من الاعتماد على تصدير الخامات والتي لا تخلق فرص عمل ولا قيمة مضافة إلى التصنيع؟.
وتساءل أبو العينين: أين الاتحاد الأوروبي من تمويل مشروعات الربط الإقليمي التي طرحها الرئيس السيسي مثل مشروع ربط القاهرة بريًا بكيب تاون وربط البحر المتوسط ببحيرة فيكتوريا ملاحيا ومشروعات توليد الطاقة المتجددة؟ هذه المشروعات ستعمق التكامل الإقليمي الإفريقي وتسهم في تصنيع أفريقيا.
وقال إنه آن الأوان لأن يكون هناك مشروع ضخم للنقل بين أوروبا وأفريقيا، لإقامة شبكة من النقل متعدد الوسائط البحري والبري وبالسكك الحديدية التي تربط بين أفريقيا وأوروبا وتربط موانئ جنوب المتوسط بطرق برية وبسكك حديدية مع القارة الأفريقية، إن من شأن مشروع بهذا الحجم أن يعزز الاندماج بين أفريقيا وأوروبا ويضاعف تدفقات التجارة والاستثمار بينهما ويقضى بشكل جذري على مشكلة الهجرة غير الشرعية.
ثالثا: إن الإرهاب والجريمة المنظمة هما وجهان لعملة واحدة ويجـــب التصــدي لهمــا معــا فالإرهاب لا يزال يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن والتنمية في العالم. ومن ثم ينبغي للعالم أن يتحد في مواجهته. وأن يتصدى لكل من يحاول توظيف الإرهاب كأداة لتحقيق مصالح سياسية أو يعطيه الملاذ الآمن والتمويل والسلاح والغطاء السياسي والإعلامي مع إنشاء آلية دولية تحت إشراف الأمم المتحدة لتجميع المعلومات المتوافرة فيما يتصل بظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وإتاحة تلك المعلومات لكافة الدول.
رابعا: التأكيد على خطورة استمرار الاتجار غير المشروع في الممتلكات الثقافية. والتي يصل حجمها إلى 63 مليار دولار سنويا، فالآثار ليست سلعة للبيع وإنما هي تاريخ وهوية الشعوب، ومــن ثــم على الدول أن تنفذ بالكامل المبادئ التوجيهية الدولية والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يتعلق بمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية.
واختتم أبو العينين: من الضروري أن يكون لدى الدول التزام وإرادة سياسية لإعادة القطع الأثرية التي خرجت من الدول بطريقة غير مشروعة وخاصة التي خرجت من أفريقيا خلال فترات الاستعمار، حيث يوجد بأوروبا وحدها قرابة الـ 500 ألف قطعة أفريقية.